خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 1 من جمادى الأولى 1444هـ - الموافق 25 / 11 / 2022م
غَضُّ الْبَصَرِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي مَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى عِبَادِهِ: نِعْمَةَ الْبَصَرِ، وَالنَّظَرِ إِلَى مَخْلُوقَاتِ اللهِ، وَالِاسْتِمْتَاعِ بِرُؤْيَتِهَا، وَالتَّفَكُّرِ فِي بَدِيعِ صُنْعِهَا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ: ]قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ[ [الملك:23].
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِحِفْظِ الْجَوَارِحِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَحَثَّنَا عَلَى صِيَانَتِهَا مِنَ الْخَطَايَا وَالسَّيِّئَاتِ، وَأَخْبَـرَنَا أَنَّنَا مُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا مَجْزِيُّونَ بِهَا بَعْدَ الْمَمَاتِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا[ [الإسراء:36].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
النَّظَرُ مَنْفَذٌ عَظِيمٌ إِلَى الْفُؤَادِ، وَطَرِيقٌ مُوصِلٌ إِلَيْهِ؛ فَصِيَانَتُهُ صِيَانَةٌ لِلْقَلْبِ، وَطَهَارَةٌ لِلنَّفْسِ، وَصَلَاحٌ لِلْجَوَارِحِ، وَالنَّظَرُ الْمُحَرَّمُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، فِيهِ هَلَاكٌ لِلْقَلْبِ، وَتَدْنِيسٌ لِلنَّفْسِ، وَفَسَادٌ لِلْجَوَارِحِ ؛ فَمَا حُفِظَتِ النُّفُوسُ وَاسْتَكَانَتِ الْقُلُوبُ بِمِثْلِ غَضِّ الْبَصَرِ؛ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ، أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. قَالَ الإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (الْبَصَرُ هُوَ الْبَابُ الْأَكْبَرُ إِلَى الْقَلْبِ، وَأَعْمَرُ طُرُقِ الْحَوَاسِّ إِلَيْهِ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ كَثُرَ السُّقُوطُ مِنْ جِهَتِهِ، وَوَجَبَ التَّحْذِيرُ مِنْهُ، وَغَضُّهُ وَاجِبٌ عَنْ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَكُلِّ مَا يُخْشَى الْفِتْنَةُ مِنْ أَجْلِهِ).
عِبَادَ اللهِ:
وَإِنَّ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ أَهْلُ هَذَا الزَّمَانِ: كَثْرَةَ الصُّوَرِ الْمُحَرَّمَةِ فِي الْمَوَاقِعِ وَالْمَجَلَّاتِ، وَانْتِشَارَ التَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ، مِمَّا يَتَأَكَّدُ مَعَهُ الْوَصِيَّةُ بِغَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ[ [النور:30]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
كُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَــــرِ وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّـرَرِ
كَمْ نَظْرَةٍ بَلَغَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا كَمَبْلَغِ السَّهْمِ بَيْنَ الْقَوْسِ وَالْوَتَـــــرِ
وَالْعَبْدُ مَــا دَامَ ذَا طَــرْفٍ يُقَلِّبُــهُ فِي أَعْيُنِ الْغِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْخَطَرِ
يَسُرُّ مُقْلَتَــــهُ مَــــا ضَرَّ مُهْجَتَـهُ لَا مَرْحَبًــا بِسُـــرُورٍ عَــادَ بِالضَّـرَرِ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ لِغَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِهِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ: ثَمَرَاتٍ عَدِيدَةً، وَفَوَائِدَ عَظِيمَةً، مِنْهَا: أَنَّهُ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَمِنْ فَوَائِدِهِ: أَنَّهُ يُورِثُ حَلَاوَةً فِي الْقَلْبِ، وَطُمَأْنِينَةً فِي النَّفْسِ، وَانْشِرَاحًا فِي الصَّدْرِ، وَقَدْ أَشَارَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْدَ أَمْرِ النِّسَاءِ بِالْحِجَابِ: ]وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ[ [الأحزاب:53]، كَمَا أَنَّ فِي إِطْلَاقِ الْبَصَرِ فَسَادًا لِلْقَلْبِ، وَوَحْشَةً فِي الصَّدْرِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ.
وَمِنْ فَوَائِدِ حِفْظِ الْبَصَرِ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (أَنَّهُ يُكْسِبُ الْقَلْبَ نُورًا، كَمَا أَنَّ إِطْلَاقَهُ يُلْبِسُهُ ظُلْمَةً؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ آيَةَ النُّورِ عَقِيبَ الْأَمْرِ بِغَضِّ الْبَصَرِ، فَقَالَ: ]قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ[ [النور:30]، ثُمَّ قَالَ إِثْرَ ذَلِكَ: ]اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ[ [النور:35]، أَيْ: مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي امْتَثَلَ أَوَامِرَهُ وَاجْتَنَبَ نَوَاهِيَهُ.
وَإِذَا اسْتَنَارَ الْقَلْبُ أَقْبَلَتْ وُفُودُ الْخَيْرَاتِ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا أَظْلَمَ أَقْبَلَتْ سَحَائِبُ الْبَلَاءِ وَالشَّرِّ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ).
وَمِنْ آثَارِهِ وَفَوَائِدِهِ: أَنَّهُ مُورِثٌ لِلْحِكْمَةِ، وَمُرْشِدٌ إِلَى الْهِدَايَةِ، وَمُحَصِّلٌ لِلْفِرَاسَةِ، قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْوَرَّاقُ رَحِمَهُ اللهُ: (مَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مُحَرَّمٍ؛ أَوْرَثَهُ اللهُ بِذَلِكَ حِكْمَةً عَلَى لِسَانِهِ يَهْتَدِي بِهَا وَيَهْدِي بِهَا إِلَى طَرِيقِ مَرْضَاتِهِ)، وَقَالَ شُجَاعٌ الْكَرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشُّبُهَاتِ، وَاغْتَذَى بِالْحَلَالِ ؛ لَمْ تُخْطِئْ لَهُ فِرَاسَةٌ).
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: (قَالَ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ لُوطٍ: ]لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ[ [الحجر:72]، فَالتَّعَلُّقُ فِي الصُّوَرِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْلِ، وَعَمَى الْبَصِيرَةِ، وَسُكْرَ الْقَلْبِ بَلْ جُنُونَهُ).
وَمِنْ فَوَائِدِ غَضِّ الْبَصَرِ: أَنَّهُ يَسُدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ طَرِيقَهُ إِلَى الْقَلْبِ وَنُفُوذَهُ إِلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ النَّظْرَةِ وَيَنْفُذُ مَعَهَا إِلَى الْقَلْبِ أَسْرَعَ مِنْ نُفُوذِ الْهَوَاءِ فِي الْمَكَانِ الْخَالِي...، وَيُوقِدُ عَلَى الْقَلْبِ نَارَ الشَّهْوَةِ، وَيُلْقِي عَلَيْهِ حَطَبَ الْمَعَاصِي الَّتِي لَمْ يَكُنْ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا بِدُونِ تِلْكَ الصُّورَةِ).
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَعَصَمَهُ وَآوَاهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، وَإِنَّ مِمَّا يُعِينُ الْمُسْلِمَ عَلَى غَضِّ بَصَرِهِ، وَحِفْظِ عَيْنِهِ، وَصَوْنِ قَلْبِهِ: أُمُورًا يَنْبَغِي التَّحَلِّي بِهَا، وَالْحِفَاظُ عَلَيْهَا، وَمِنْ أَعْظَمِهَا:
دُعَاءُ اللهِ تَعَالَى، وَالتَّضَرُّعُ إِلَيْهِ، وَالْإِلْحَاحُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَحْفَظَ لَهُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَقَلْبَهُ؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، وَفِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ» فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ، ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ [رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ: تَقْوَى اللهِ وَخَشْيَتُهُ وَمُرَاقَبَتُهُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى[ [العلق:14]، وَسُئِلَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ: بِمَ يُسْتَعَانُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ؟ قَالَ: بِعِلْمِكَ أَنَّ نَظَرَ اللهِ إِلَيْكَ أَسْبَقُ مِنْ نَظَرِكَ إِلَى مَا تَنْظُرُهُ.
وَمِمَّا يَحْفَظُ لِلْعَبْدِ بَصَرَهُ: إِخْلَاصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي عِبَادَتِهِ، وَابْتِغَاءُ مَا عِنْدَهُ؛ وَبِذَلِكَ حَفِظَ اللهُ تَعَالَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ[ [يوسف:24]، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: (عَصَمَهُ اللهُ بِإِخْلَاصِهِ لِلَّهِ؛ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ: ]وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[ [ص:82-83].
وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ: الزَّوَاجُ لِلْقَادِرِ، أَوِ الصَّوْمُ لِلْعَاجِزِ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، أَيْ وِقَايَةٌ مِنَ الزِّنَا.
عِبَادَ اللهِ:
يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ: أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ أَمَاكِنِ الْفِتَنِ، وَمَوَاطِنِ الشُّبْهَةِ، كَالنَّظَرِ إِلَى الْقَنَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، أَوِ الدُّخُولِ فِي بَعْضِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ وَغَيْرِهَا، مِمَّا يَغْلِبُ فِيهِ الْوُقُوعُ فِي النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ، فَلْيَحْذَرْهَا، وَلْيَبْتَعِدْ عَنْهَا، وَلَا يَقْرَبَنَّهَا؛ فَإِنَّ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ وَمَا فِي حُكْمِهَا إِلَّا بِحَقِّهَا؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ»، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ؛ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا»، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
فَلْيَحْرِصِ الْمُؤْمِنُ عَلَى صِيَانَةِ بَصَرِهِ وَجَوَارِحِهِ؛ لِيَسْلَمَ لَهُ قَلْبُهُ وَدِينُهُ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغُرَرِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْمَحْشَرِ. اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى حَمْلِ الْأَمَانَةِ، وَجَنِّبْنَا الْغَدْرَ وَالْخِيَانَةَ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَنَا، وَاجْعَلْ فِي طَاعَتِكَ قُوَّتَنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ، وَالْـمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِهُدَاكَ، وَاجَعَلْ أَعْمَالَهُ فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُ ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، اللَّهُمَّ وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة